تجارب صحية

زوجي مريض ثنائي القطب مرحلة التشخيص وكيفية العلاج

زوجي مريض ثنائي القطب هي تجربة إحدى الزوجات التي ترويها لنا بالتفصيل، فهي قصة اكتشافها لأعراض المرض تتوالى في الحدوث لزوجها وعدم معرفة ماهيتها، وما خاضته من معاناة خلال رحلة التعرف على المرض والتغيرات التي أحدثها في شخصية زوجها وانعكاسها على حياتهما، وهذا ما نعرفه بالتفصيل عبر موقع مرحبا في رواية الزوجة لما حدث.

زوجي مريض ثنائي القطب

كانت حياتنا مستقرة بشكل كبير، تزوجنا بعد قصة حب دامت طوال سنواتنا الجامعية وامتدت لما بعدها، تزوجت أنا وزوجي رغم الكثير من الصعوبات التي واجهتنا ولكن بالأخير استطعنا أن نجتمع سويًا.

كان يجمعنا مجال عمل واحد وهو هندسة البرمجيات، كنا نستمتع دومًا بعودتنا للمنزل وأن يروي كلًا منا ما لقاه في يومه، كان هذا صعبًا بشكل ما على زوجي لأنه شخص هادئ وانطوائي بطبعه لا يميل للكلام كثيرًا، ولكنه كان يحب أن نجتمع حتى وإن كان يسمعني أكثر مما يتكلم.

بداية مشكلة ثنائي القطب

في وقت لاحق، حدثت مع زوجي بعض المشكلات في وظيفته واضطر الجميع بسبب وباء كورونا أن يعملوا من المنزل، ولجأت الكثير من الشركات لخفض العمالة أو لتقليل الرواتب، وكان من نصيب زوجي أن يتوقف عن العمل في كثير من الأحيان أو يتقاضى راتبًا أقل بكثير مما أعتاد عليه.

في ذلك الوقت، كان جليًا عليه ملامح الحزن واليأس، وبالنسبة لشخص انطوائي بالفطرة فلم يكن هناك فارق كبير عدا في الشرود الدائم والتفكير في المستقبل.

بدأ زوجي في الانحدار النفسي بالتدريج، وكل ما ببالي أن هذا الأمر مؤقت لحين عودة الأمور لطبيعتها، ولا أنكر أن الوضع العالمي انعكس عليَ أنا أيضًا، فلم أستطع النجاة تمامًا وشعرت بقليل من الإحباط، ولكني استعدت نفسي سريعًا.

أما زوجي، فقد بدأ في النوم لفترات طويلة جدًا على غير المعتاد، أصابه خمول وإرهاق دائم، رغم قلة حديثه في السابق ولكن ازداد الأمر عن الحد الطبيعي فاقتصر الحديث بيننا على الإيماءات، حتى راودتني الظنون بأنه طاب له العيش مع غيري وسرعان ما طردت هذه الأفكار وعدت لألتفت إليه.

اقرأ أيضًا: قصص مرضى ثنائي القطب

شكوك وتخمينات

استمر الأمر لفترة ليست بالقصيرة، ولكن شيئًا فشيئًا بدأت الأمور بالعودة إلى طبيعتها، وعلمت منه أن الشركة قررت إعادة العمل ورفع المرتبات كتعويض عن الفترة الماضية، ظننت حينها أن المشكلة قد انتهت وأنه سيعود لشغفه وحبه لعمله ولكن ما حدث كان عكس توقعاتي.

فوجئت به يطلب إجازة بدون مرتب لأجل غير مسمى!! وعندما سألته عن السبب قال إنه يشعر بالإرهاق ولن يتمكن من العمل في ظل ما يشعر به.

بدأت تساورني الشكوك في أكثر من جهة، رغم أني على قدر كبير من العلم إلا أني – ولا أكذبكم خبرًا- فكرت في أن يكون هذا من الأعمال والسحر التي قد يقوم بها أحد الحاقدين والأعداء.

حاولت التقرب منه وتهيئة الجو المناسب ليرتاح من أفكاره، ومهما حاولت الاقتراب منه كان يزداد ابتعادًا، حتى العلاقة الزوجية بيننا انقطعت تقريبًا وذلك ما جعلني أعاود التفكير في مسألة وجود امرأة أخرى.

هذه المرة لم تخلق هذه الفكرة سوى الاضطرابات النفسية التي ظهرت بشدة عليه، فقدان في الشهية تارة والإقبال بنهم على الطعام تارة أخرى، قلق وتوجس دائم، حتى أني في إحدى الأوقات دخلت أثناء حلاقته لأسأله إن كان يريد أن يتناول الطعام فتفاجأت بموس الحلاقة يمسكه بالقرب من عروق يده!!

أقنعني حينها أنه يحاول تفحصه عن قرب فحسب، لم اقتنع وساورتني الشكوك هذه المرة في إمكانية تعاطيه المواد المخدرة، فكل الأعراض تشبه أعراض الإدمان التي نراها في الأفلام والمسلسلات، توتر وقلق واضطرابات شديدة في النوم، فقدان الرغبة في الطعام وفي العلاقة الزوجية، لا بد أن هذا هو التخمين الصحيح لما يحدث.

المصارحة وطرح فكرة العلاج

استمر هذا الوضع لأكثر من أسبوعين، لم ينقطع فيها عن المشاجرة معي رغم حزنه واكتئابه، فقررت الحديث معه، جلسنا سويًا ووعدته بأني لن أضغط عليه في الحديث ولكن عليه أن يكون صريحًا معي، استجاب لي باستسلام وعدم القدرة على الجدال.

حين صارحته بشكوكي نحوه تعجب مما أقول، ونفاه تمامًا وأقسم بأن شيئًا من هذا لم يحدث، فطلبت منه أن نذهب لطبيب نفسي سويًا، قال لي أن الأمر لا يتعدى نوبة اكتئاب بسيطة، رجحت هذا الأمر أيضًا ولكن ألحيت عليه في الخضوع للكشف ولكنه أصر على الرفض.

الوضع المعكوس

بعد حديثنا سويًا بيومين تقريبًا كنت قد فكرت في استشارة الطبيب، ولكني تفاجأت بزوجي وقد تبدل حاله إلى النقيض، انطلاقًا واندفاعًا وإقبالًا على الحياة، عاد إلى العمل مجددًا واستطاع إنجاز ما فاته في وقت قياسي، أصر أن نذهب في نزهة لعدة أماكن متفرقة، كان يشع بالحيوية والانطلاق.

بل الأكثر من ذلك، انقطع عن النوم تقريبًا!، حتى علاقتنا الزوجية أقبل عليها بحب وشغف لم يسبق أن وجد بيننا بهذا الشكل، أصبح كثير الكلام للحد المزعج في بعض الأحيان، لم أستطع أن أخفي سعادتي بقدرته على تجاوز نوبة الاكتئاب العابرة تلك.

لكن حماسه هذا استمر كثيرًا للحد الزائد، أكاد أن أجزم أنه لم ينم طيلة أسبوع بأكمله!! الأمر الذي جعلني أقلق مجددًا وأعزم على استشارة طبيب نفسي فيما يحدث.

لا خاب من استشار

قررت الذهاب للطبيب بمفردي واستشارته في هذه الأحداث الغريبة والغير منطقية، وبدأ يسألني عن أدق التفاصيل التي لاحظتها عليه، كم عدد الساعات التي ينامها؟ هل يعاني من اضطرابات في الشهية؟ هل يوجد تذبذب في إقباله على العلاقة الزوجية؟ كم من الوقت استمرت نوبات الحزن ونوبات الفرح لديه؟

حين أجبت على جميع ما سبق، رأى الطبيب بضرورة خضوع زوجي للاستشارة والفحص، طلبت منه أن يقول لي الصراحة وما إذا كان الوضع خطيرًا، ولكنه قال باستحالة التشخيص بالتوقع وأن لا بد له من رؤية المريض وأن شكوكه قد تكون في غير محلها.

اعتقدت أن الطبيب يشتبه في اكتئاب حاد مثلًا، فبطبيعة عملي وشخصيتي لا أعرف عن الأمراض النفسية والاضطرابات سوى الاكتئاب، لذا لم يكن أمامي الكثير من الاحتمالات الممكن طرحها في هذا الوضع، ولكني عزمت على إقناعه برؤية الطبيب.

اقرأ أيضًا: قصتي مع سرطان العظام

مرحلة التشخيص

بمعجزة إلهية استطعت إقناع زوجي أن يرافقني لزيارة الطبيب، وأني أيضًا بحاجة لهذا الكشف لما لاقيناه من اضطرابات في علاقتنا في الفترة الماضية، وافق على مضض ورافقني للطبيب.

طلب الطبيب مني أن أحضر معه الجلسة باعتباري أقرب الناس إليه وأني سيكون لي دورًا كبيرًا في علاج هذا المرض الذي لا نعرفه بعد فجلست استمع إلى حديثهما.

طلب الطبيب بعض التحاليل والأشعة على المخ، وبعد الفحص بدأ في تمهيد الأمر بقوله إننا يجب أن نتعامل مع الموقف بجدية وأنه لا داعٍ للهلع، وأن زوجي مريض ثنائي القطب.

لم يبد أي منَا أي ردة فعل، فنحن حتى لم نكن لنعلم ما هذا المرض!

فبدأ الطبيب في الشرح وتوضيح ما معنى أن زوجي مريض ثنائي القطب بقوله، أن هذا المرض يعني تأرجح المريض بين نوبات الهوس والاكتئاب بشكل سريع وغير منطقي، وأنه مريض من الدرجة الأولى أي أن نوبة الهوس تستغرق أسبوعًا كاملًا يعقبها نوبة من الحزن والاكتئاب تصل لأسبوعين تقريبًا.

سألته إن كان السبب ما تعرضنا له من تقلبات للوضع المادي والاجتماعي في فترة الوباء، فنفى أن يكون هذا سبب كون زوجي مريض ثنائي القطب.

فبادر زوجي بسؤاله عن أسباب هذا المرض، وحسبما قال الطبيب فلا أسباب واضحة له حتى الآن، وأن العلماء يرجحون حدوثه بنسبة كبيرة لأسباب وراثية وأن لهذا المرض تاريخ وراثي في العائلة، واحتمالية وجود عوامل خارجية ومشكلات مؤثرة هي احتمالية ضعيفة.

كما أشار الطبيب لأن هذا المرض يحدث لحالة واحدة بين كل 100 شخص في العالم، فهو متوسط الانتشار في العالم، وأفاد أن هذه الحالة الأولى منه والأشد، والمستوى الثاني والثالث يكونان أقل في حدة الأعراض.

المقاومة والعلاج

فيما يخص العلاج، فقد نصحني الطبيب بفهم طبيعة ومعنى أن زوجي مريض ثنائي القطب، وأن العلاج لن يكون في العقاقير فحسب، بل إن الأمر يستلزم تدخلي ومحاولة تقبلي للاضطرابات التي يتعرض لها زوجي لأن شعوره بعدم التقبل قد يؤدي لتدهور الحالة وزيادة تفكيره في الانتحار وإيذاء نفسه.

أما على مستوى المهدئات والأدوية، فقد وصف له الطبيب بعض الأدوية المضادة للاكتئاب، وأدوية لرفع مستويات الليثيوم فهو من مثبتات المزاج واتزان نسبته في الدم قد تساعد كثيرًا في التقليل من هذه الأعراض فكون زوجي مريض ثنائي القطب يعني ضرورة خضوعه لتحاليل دورية لمعرفة مستوى الليثيوم في الدم وعدم زيادته.

بالإضافة لوصفه بعض مثبطات السيرتونين، الذي تعد زيادته أو اضطرابه في الجسم أحد أسباب التعرض للنوبات الحادة لهذا المرض.

وأشار الطبيب لضرورة هذه الفحوصات، فكون زوجي مريض ثنائي القطب تعني خطورة زيادة الليثيوم في الدم بسبب هذه الأدوية لأن زيادته عن الحد المعقول قد تؤدي لفشل في وظائف الكلى.

كما حذرنا الطبيب من الإفراط في تناول المنبهات وضرورة الامتناع عنها في حال أمكن ذلك بسبب رفعها لنسبة الكافيين في الدم والذي يؤدي لانخفاض مستويات الليثيوم في المقابل، الأمر الذي يدمر كل ما نفعله.

نصائح ومحاذير

كانت من أهم النصائح التي وجهها لنا الطبيب في ظل حقيقة أن زوجي مريض ثنائي القطب، أن نتفاعل مع نوبات الهوس التي يتعرض لها ونستغلها في عمل ما يفيده، كأن يمارس الرياضة مثلا فذلك من شأنه أن ينظم له هذه النوبات.

كما أشار لضرورة أن نحيطه أنا والأهل بالكثير من الحب والاحتواء في فترات نوبات الاكتئاب والحزن وأن نشعره بالتقبل وعدم الضغط عليه، وأن نعي معنى أن زوجي مريض ثنائي القطب فنترك له حرية الحديث ولكن يجب ألا نتركه وحيدًا خلالها حتى لا يستجيب للميول الانتحارية التي تسود هذه الفترة.

بالإضافة للمواظبة على العلاج، فيمكن أن تكون هناك صعوبة في الشفاء من هذا المرض بصورة تامة ولكن يمكن التقليل من أعراضه المرهقة واستغلالها في النافع والمفيد للمريض بصورة متزنة لا تسبب له الأذى.

اقرأ أيضًا: زوجي يطلب مني إحضار صديقتي

حياة سعيدة في النهاية

التزمت أنا وزوجي بتحذيرات ونصائح الطبيب، واستطعنا أن نتخطى الأعراض القوية للمرض، قد لا يزال زوجي مريض ثنائي القطب ولكنه أكثر تقبلًا وتعاملًا مع هذه الحقيقة، وصرت أنا أيضًا أكثر تقبلًا لحقيقة مرضه وما يعانيه، فالآن أنا أفهم ما يحدث بداخل عقله وأحاول بقدر الإمكان عدم الضغط عليه.

نصيحتي للجميع من خلال تجربتي ألا تتسبون في مزيد من الآلام لمن تحبوهم حين يصيبهم مرض ثنائي، وأن تقبلكم لهم يمثل النصف الأكبر من العلاج، وأن ما يدفعهم لمقاومة هذا المرض هو إحاطتهم بالحب والتفهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى