ثقافة إسلامية

حكم التوسل عند المذاهب الأربعة

حكم التوسل عند المذاهب الأربعة من الأمور التي يحتار بها أغلب المسلمون، حيث تختلف الآراء بين مؤيد للتوسل بالنبي عند الدعاء والبعض الآخر معارض بشدة، ويعتبر هذا الأمر من مُسببات نيل الذنوب الكبيرة، لذا سوف نتعرف على حكم هذا التوسل عند المذاهب الأربعة من خلال موقعنا.

حكم التوسل عند المذاهب الأربعة

التوسل من الأمور المنتشرة بين الكثير من المسلمين وخاصة في الدعاء، فكل منهم يتوسل بأكثر من طريقة وبأكثر من وسيلة، ولعل أكثر ما يتوسل به المسلمون في الدعاء هو التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم وباقي الأنبياء والصالحين.

من الجدير بالذكر أن هذا التوسل بشكلٍ عام بالصالحين يختلف عليه الكثير من علماء الدين والفقهاء، ولكن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء يعد من الأمور التي أجمعت عليها مذاهب الأئمة الأربعة، ومع ذلك يظهر بعض المخالفين لهذا الأمر، حيث يكفرون أمر التوسل بالنبي أو بغيره.

في إطار حديثنا وبحثنا عن حكم التوسل عند المذاهب الأربعة، جاءت العديد من الأحكام التي تنص على جواز التوسل بالنبي، ويتم استناد هذا الحكم على الحديث الصحيح:

اللهم إني أسألُك وأتوجَّه إليك بنبيِّك محمدٌ، نبيُّ الرحمةِ، يا محمدُ إني توجهتُ بك إلى ربِّي في حاجتي هذه لِتُقضى لي، اللهمَّ فشفِّعْه في

[الراوي: عثمان بن حنيف | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الجامع]، وقد جاءت آراء المذاهب الأربعة على الرغم من اتفاقهم ظاهريًا على النحو التالي:

1-  المذهب الحنبلي

الفقهاء وعلماء الدين في المذهب الحنبلي يؤيدون التوسل بالأنبياء والصالحين ويجدون أن هذا فيه بركة كبيرة واستجابة لدعاء العبد، حيث ورد عن الكثير من فقهاء هذا المذهب أقوال تؤكد هذا الأمر.

فقد ورد عن الإمام ابن مفلح الحنبلي في الفروع، أنه قال

“يجوز التوسل بصالح، وقيل يستجيب“، كما ورد عن البهوتي الحنبلي في كتاب القناع، حيث قال ” وقال السامري وصاحب التلخيص: لا بأس بالتوسل للاستسقاء بالشيوخ والعلماء المتقين، وقال في المذهب يجوز أن يستشفع الى الله برجل صالح، وقيل يستحب”.

كما ورد في كتاب اتحاف السادة المتقين الذي كان يتخصص في شرح أحياء علوم الدين، حيث ورد النص

وكان صفوان بن سُليم المدني أبو عبد الله، وقيل أبو الحارث القرشي الزهري الفقيه العابد وأبوه سُليم مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال أحمد:

هو يُسْتَسْقَى بحديثه وينزل القطر من السماء، وقال مرة: هو ثقة من خيار عباد الله الصالحين، قال الواقدي وغيره مات سنة مائة واثنتين وثلاثين عن اثنتين وسبعين سنة”.

كذلك يؤكد المذهب الحنبلي على أن التوسل في الدعاء يكون بدعاء الشخص الصالح أو النبي وليس بذكر شخصيته أو التوسل بذاته، حيث إن التوسل بدعاء الصالحين يكون سبب في استجابة الدعاء وحلول البركة.

2- المذهب الحنفي

في إطار التعرف إلى حكم التوسل عند المذاهب الأربعة، فسوف نتعرف على رأي المذهب الحنفي في أمرر التوسل، حيث ورد عن أبي حنيفة وأصحابه في المذهب الحنفي أن التوسل الصحيح في الدعاء يعتمد على القسم على الله بذاته الكريمة والسؤال بذاته.

فلا يجوز دعاء الله بالتوسل بأحد من خلقه ولا يجوز القول في الدعاء بحق نبيك، حيث يعتبر المذهب الحنفي هذا الأمر من الكبائر.

3- المذهب الشافعي

لقد وجهت للشيخ شمس الدين الرملي الشافعي العديد من الأسئلة الخاصة بالتوسل بالأنبياء والصالحين في الدعاء مثل قول يا رسول الله أو الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين بعد موتهم.

على إثر ذلك أجاب الشيخ الشافعي بأن هذه الاستغاثة جائزة، كما أن للرسل والأنبياء والصالحين إغاثة بعد موتهم، حيث إن معجزة الأنبياء وكرامتهم لا تنقطع بوفاتهم ورحيلهم عن دُنيانا.

كما قال الشافعي بما أن الأنبياء أحياء في قبورهم ويصلون كما ورد من أخبار عنهم، حيث تكون الإغاثة منهم معجزة.

4- المذهب المالكي

أثناء قيام الإمام مالك بالحج وزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام بسؤال الخليفة المنصور في هذا الوقت، حيث قال

(يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعوا أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ولِم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك ءادم عليه السلام الى الله تعالى؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله).

ذكر هذا النص القاضي عياض في كتاب بعنوان الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/92-93)، والقسطلاني في المواهب اللدنية وساقه بإسناد صحيح، وابن حجر الهيتمي في الجوهر المنظم، والسيد السمهودي في خلاصة الوفا، وغيرهم.

كما يرى ابن الحاج المالكي أن التوسل بالنبي هو وسيلة لتكفير الذنوب والخطايا لما له من بركة وشفاعة عند الله، ويدعو إلى اللجوء إلى الله تعالى بشفاعة رسول الله عليه الصلاة والسلام.

كما قد ورد على لسانه أن من أعتقد خلاف ذلك يقع في ذنب عظيم، ويستشهد بقول الله تعالى في كتابة الكريم

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} [النساء: 64].

يفسر المالكي بأن العبد الذي يتوسل برسول الله ويقف على بابه يجد الله توابًا رحيمًا ويفوز بتوبة من الله، ومن يشك في هذا أو يرتاب فيه يكون معادي لدين الله ومنزلة رسله.

اقرأ أيضًا: حكم مشاهدة الأفلام الإباحية للعزباء

حالات جواز ومنع التوسل في الدُعاء وفقًا للعُلماء

من الضروري معرفة أن هُناك خط فاصل دقيق بين جواز التوسل بالنبي في الدعاء وبين حُرمانيته، لذا سنتعرف على الحالات التي يُسمح فيها التوسل بالنبي والحالات التي تعد من الشرك الأعظم من خلال ما يلي:

أولاً: حالات جواز التوسل في الدعاء

في إطار الحديث عن حكم التوسل عند المذاهب الأربعة، فسوف نتعرف على الحالات التي يتوقف عليها جواز التوسل، حيث يتوقف على نية الإنسان الداعي، كما يتوقف على نص الدعاء وما يحمله من كلمات وعبارات يمكن أن تأخذ الدعاء في ناحية أخرى غير المفروض والصحيح.

لذا وفي ظل التعرف إلى حكم التوسل عند المذاهب الأربعة، فسوف نتعرف على الحالات الجائز فيها التوسل بالنبي في الدعاء من خلال ما يلي:

1- طلب الإنسان من النبي في حياته أن يدعو له

أن يتوسل الإنسان للنبي في حياته أن يدعو له ويتبرك ببركته هذا من الأمور الجائزة، حيث كان الناس يطلبون من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعو لهم بنزول المطر عندما كانوا يعانون من الجفاف وبور الأراضي، وبالفعل استجاب الله لدعاء النبي وكان ينزل المطر.

2- التوسل بدعاء النبي

هذا النوع من التوسل يعتمد على استخدام أسلوب النبي في دعاء الله وكلماته الطيبة والمباركة في الدعاء إلى الله تعالى، وليس التوسل بجاه النبي وحرمته.

حيث ثبث عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن عمر بن الخطاب كان يدعو بنفس دعاء رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام في دفع الضر أو نزول المطر أو نصرة الإسلام والمسلمين وغيرها من الأدعية التي كان يدعو بها النبي في حياته.

ثانيًا: حالات تحريم التوسل بالنبي

لا شك من مكانة الرسل والأنبياء العظيمة في قلوب المسلمين والموحدين بالله تعالى، ولكن هناك بعض من المسلمين يجهلون حدود استخدام التوسل بالأنبياء في الدعاء.

لذا وفي ظل التعرف إلى حكم التوسل عند المذاهب الأربعة، نتعرف على حالات تحريم التوسل، حيث يقع البعض في خطأ فادح عند توسلهم بالأنبياء ويمكن أن يؤدي بهم هذا الأمر إلى الشرك بالله من خلال اتباعهم الأمور الآتية:

1- التوسل بجاه النبي وحرمته في الدعاء

من الأمور المحرمة والممنوعة قطعًا هو التوسل في الدعاء بجاه النبي وحرمته أو بركته، فمثلًا يقول الداعي “اللهم بجاه نبيك أو بركته أو حرمته أعطني ولداً ومالاً أو أدخلني الجنة وقني عذاب النار” حيث لا يعد هذا الشخص بمشرك أو يخرج عن الإسلام لكنه ممنوع شرعًا، وذلك لسد باب الشرك بالله، وصرف المسلم عن أي فعل يتوجه به إلى الشرك.

كما أن التوسل إلى الله تعالى بواسطة جاه أو حرمة المتوسل به من الأعمال التي لم يشرعها الله تعالى، ولم يُبلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصلها أحدًا من صحابته رضوان الله عليهم جميعًا.

2- الاستغاثة بالأنبياء والرسل في قضاء الحاجات

من أعظم المحرمات التي يمكن أن يقع فيها الإنسان أن يدعو أنبياء الله والصالحين في قضاء حاجته، حيث يقول أحدهم مدد يا رسول الله، أو مدد يا حسين أو يارسول الله فرج كربتي أو اشفني من سقمي، حيث إن هذه الأدعية تأخذ الداعي إلى طريق الشرك الأعظم بالله عز وجل والعياذ بالله.

موقف الصحابة من التوسل بالنبي

بجانب التعرف إلى حكم التوسل عند المذاهب الأربعة، فسوف نتعرف على موقف صحابة رسول الله من هذا التوسل، حيث إن صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام هم أكثر الناس تأثرًا به، ولذلك بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام عدلوا عن التوسل به إلى عمه العباس ليدعو لهم.

هذا الأمر يؤكد أن لو كان التوسل بالنبي جائز ومحلل بعد موته لكان التوسل به من الأولى، كما أن عدول الصحابة عن هذا الأمر من أكبر الأدلة على عدم جواز هذا التوسل، حيث قال ابن تيمية:

 ليس لأحَدٍ أن يَدِلَّ على اللهِ بَصلاحِ سَلَفِه؛ فإنَّه ليس صلاحُهم مِن عَمَلِه الذي يستَحِقُّ به الجزاءَ، كأهلِ الغارِ الثَّلاثةِ؛ فإنَّهم لم يتوسَّلوا إلى اللهِ بصَلاحِ سَلَفِهم، وإنَّما توسَّلوا إلى اللهِ بأعمالِهم لَمَّا عَلِموا أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى يثيبُ العاملينَ على أعمالِهم، ويستشهد ابن تيمية بقول الله تعالى في كتابه الكريم {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].

كما سُئل سليمان بن عبد الله آل الشيخ بحكم التوسل بجاه النبي أو غيره من الأنبياء والصالحين في الدعاء إلى الله، حيث أجاب بأن التوسل المشروع هو ذلك التوسل الذي جاء في كتاب الله تعالى وسنة نبيه.

حيث أفاد بأن التوسل إلى الله تعالى بصالح الأعمال، وصفات الله العليا وبركته، وأيضًا التوسل إلى الله عز وجل بدعاء النبي الكريم، وشفاعته في حياته، وبأدعية غيره من الأنبياء والصالحين في حياتهم، حيث إن كل هذه من الأمور المستحبة في الدعاء، كما أنها تثقل من قيمة دعاء الفرد لربه.

اقرأ أيضًا :هل يجوز عدم غسل الشعر بعد العلاقة الزوجية للرجل

أنواع التوسل في الدعاء

يوجد أربعة أنواع من التوسل في الدعاء، حيث يوجد منها المستحب عند الله تعالى، كما يوجد منها غير المستحب والذي يُعد بمثابة شرك عظيم، وفي إطار التعرف إلى حكم التوسل عند المذاهب الأربعة، فسوف نتعرف إلى أنواع التوسل المختلفة وحكم كلًا منها من خلال ما يلي:

1- التوسل إلى الله بالإيمان به

يعد هذا النوع من التوسل من أحب الأعمال إلى الله وأفضلها في الدعاء، حيث يتوسل العبد إلى ربه بالإيمان به وبعظمته وبرسله وطاعة الله تعالى وطاعة رسله.

يتضمن هذا النوع من التوسل أن يتوسل العبد بصفات الله وأسمائه الحسنى، ويؤكد هذا النوع من التوسل قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35].

2- التوسل إلى الله بدعاء رسله

يعد التوسل إلى الله بطلب الدعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وطلب المسلمين بعضهم بعضًا أن يدعو لهم ويستبشرون ببركته، وهذا من الأمور الجائزة.

3- التوسل بجاه المخلوق وذاته

هذا النوع من التوسل محرم شرعًا ويعد من الكبائر والشرك بالله، حيث يدعو الإنسان غير الله بقضاء حاجته، حيث يعد هذا شرك بالله مهما كان المتوسل به نبي أو رسول أو ولي صالح.

4- التوسل بالأضرحة والأموات

لا يعتمد هذا النوع من التوسل إلا من يجهل دينه، ويكون على حافة الشرك بالله وبكتبه ورسله، حيث يعد الاستغاثة بأضرحة الموات وقبور الأنبياء من الشرك الأعظم بالله، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه شائع للغاية مع الأسف.

التوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى من أحب طرق الدعاء إلى الله تعالى، لما تحمله من خشوع ورهبة من عظمة الله وقدرته، فالاستغاثة بالله الواحد القهار من أحب صور الدعاء المستجاب بأمر الله تعالى، ولكن حذاري أو تزل قدماك أو تهوى في ظلام الشرك وأنت تحسب أنك تُحسن صُنعًا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى